بســم اللّـه الرّحمـن الرّحيــم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فضيلة الإمام الأكبرالدكتورمحمد سيد طنطاوى، شيخ الأزهر،

فضيلة الأستاذ الدكتورأحمد محمد أحمد الطيب، رئيس جامعة الأزهر،

أصحاب المعالى، أصحاب الفضيلة :

أيها السـادة :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

يسعدنى فى مستهل حديثى أن أحيى ـ باسمى وباسم خريجى الأزهر المشاركين فى هذا الملتقى ـ فخامة الرئيس محمد حسنى مبارك، رئيس جمهورية مصر العربية، وأتقدم إليه بعميق الشكر والعرفان، لاهتمام سيادته الكبير بالأزهر، وعمله الدءوب لإعلاء مكانته محليا وعالميا، ورعاية سيادته الكريمة والدائمة لعلماء الأزهر وشيوخه وأساتذته وطلابه، حتى يتمكنوا من القيام بواجبهم الدينى والعلمى فى مختلف أنحاء العالم.

ويسرنى أيضا ان أتوجه بالشكرالجزيل إلى فضيلة الإمام الأكبر، وإلى فضيلة رئيس جامعة الأزهر ومسؤوليه، لما لقيته أنا والوفود المشاركة من حسن استقبال وكرم ضيافة منذ أن وطئت أقدامنا أرض مصر الكنانة.

أيها السادة :

إن هذا الملتقى العالمى الأول لخريجى جامعة الأزهرالذى يعقد اليوم لمدارسة تواصل الأزهر جامعا وجامعة مع أبنائه الذين تخرجوا فيه لهو اجتماع فى غاية الأهمية، فى هذا الوقت الذى تواجه فيه الأمة الإسلامية تحديات كبيرة ومتعددة. ولا يخالجنى أدنى شك فى أن الأزهرـ برجاله العلماء المنتشرين فى كل مكان ـ لقادر على القيام بواجبه خير قيام، وهو نشر رسالة الإسلام فى شتى بقاع الأرض، وتقديم هذا الدين للعالم فى صورته المشرقة، وهوأشرف وظيفة فى الوجود، لأنها وظيفة الأنبياء والمرسلين، قال الله سبحانه وتعالى: " وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" (فصلت: 33).

وإن الأزهر منذ قيامه من أكثر من ألف عام كان ولا يزال قبلة طلاب العلم والمعرفة من شتى أقطار الأرض يفدون إليه لينهلوا من مورده العذب، ثم يعودون إلى أوطانهم هداة راشدين، ودعاة مخلصين.

ونحن خريجى الأزهر من مصر ومن مختلف أقطار العالم لنحمد الله تبارك وتعالى على نعمائه بأن هيأ لنا فرصة الدراسة بالأزهر وتلقى العلوم الإسلامية من منبعها الأصيل. وإننا لفخورون بذلك، ونشكر الأزهر على فضله الكبير علينا، ونعاهده بأن نقوم بواجبنا ـ كل فى موقعه ـ بالتضامن الكامل مع الأزهر فى تأدية رسالته الكبرى فى إيصال دعوة الله إلى كل مكان فى المعمورة، وترسيخ مبادئ الإسلام ومثله العليا فى مجتمعاتنا المترامية الأطراف.

ونحن نشهد بأن الأزهر لم يدخر وسعا فى الحفاظ على التراث الإسلامى والتراث العربى، وفى حماية اللسان العربى من عبث العابثين، حيث توالت فى الماضى على الأراضى العربية والإسلامية موجات من الغزو العسكرى والغزو الفكرى والثقافى. وحينما خبت شعلة العلوم الإسلامية بسقوط دولة الأندلس ثم بسقوط الخلافة الإسلامية تحت وطأة الغزوالتتارى، نهض الأزهر برسالته ليحتضن هذا التراث ويدافع عنه، ويواصل مسيرته فى النهوض بالحركة الفكرية الإسلامية والإنسانية.

ومن واجبنا أن نشيد بالجهود المباركة التى بذلها رجال الأزهر وشيوخه وعلماؤه الأفذاذ، وأن نحيى كفاحهم من أجل دينهم وأوطانهم على مدى الأجيال، ومن أجل توثيق الصلات والروابط بين المسلمين فى مختلف البلاد، والحفاظ على الهوية الحضارية للإسلام، والتصدى لكل تيارات الهدم وموجات الإلحاد والتطرف والتشدد والغلو، عاملين بقول الله سبحانه وتعالى: " ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " (النحل:125).

ومن الإنصاف إذن أن نسجل للأزهردوره التاريخى الذى قاوم فيه تيارات الإلحاد، والمذاهب الهدامة، والحملات التبشيرية، ودعاة الفوضى والانحلال، واستطاع فيه أن يحفظ التراث الإسلامى من العبث، وأن يحمل أمانة العلوم الإسلامية إلى كل الشعوب، إظهارا لحقيقة الإسلام، وأثره فى تقدم البشر فى شتى المجالات، وكفالة الأمن والطمأنينة لكل الناس فى الدنيا. ومن باب الوفاء أن نذكر بالتقدير والاعزاز دور أساتذتنا الأفاضل الذين تعلمنا على أيديهم المنهج العلمى السليم، وكانوا قدوة لنا فى السلوك قبل أن يكونوا أصحاب منهج علمى مستنير.

أيها السادة :

إن الأمة الإسلامية فى الوقت الراهن تتعرض لحملتين خطيرتين؛ حملة من الخارج، وحملة من الداخل.

فأما الحملة التى تتعرض لها الأمة الإسلامية من الخارج فهى تعود إلى العداء السافر للإسلام والمسلمين الذى تكنه الجماعات والجهات التبشيرية والصهيونية التى قامت فى العصور الماضية ولا زالت تقوم فى الوقت الحاضر بوصم الدين الإسلامى زورا وبهتانا بأنه دين إراهاب وسفك دماء. والحقيقة التى يقر بها كل منصف أن الإسلام دين سلام وسماحة ووئام ومحبة، وهذه حقيقة أثبتها الإسلام والمسلمون على مدى أكثر من ألف وأربعمائة عام.

وأما الحملة من الداخل فهى ليست بأقل خطورة من الحملة الخارجية، لأن هذه الحملة يقودها جماعات التطرف والتشدد التى تتمسك بالظواهر تاركة الجوهر، ولا تنظر إلى سماحة الدين ويسره، وما دعا إليه من بناء حضارة تزدهر فيها العلوم والمعارف والفنون والقيم الإنسانية. وقد وصلت هذه المشكلة فى بعض الدول إلى حد أعمال العنف والإرهاب التى تذهب آلاف الأنفس ضحايا لها.

وإذا كانت الأمة الإسلامية تتعرض لهاتين الحملتين، والمسلمون يتهمون من الخارج بأنهم إرهابيون، ويعانون التفرق والتشتت فى الداخل، فما المخرج من هذه الأزمة الخطيرة ؟ وماهو الدورالذى يستطيع أن يقوم به الأزهر وعلماؤه فى أنحاء المعمورة للخروج منها ؟

والجواب أنه إذا كان الأزهر قد أدى في الماضي دوره الروحى والعلمى والفكرى والاجتماعى فى ظل مصر الدولة الراعية له، فإنه يستطيع الآن أن يقوم بدوره الآن كما قام به فى الماضى، لأن مصر الراعية لازالت تحتل فى العالم الإسلامى أعلى مكانة وأرفع منزلة بما لها من ثقل فكرى وثقافى وحضارى.

وأقترح فى هذا الصدد ما يأتى:

أولا: قيام الأزهر بإنشاء فروع له فى أرجاء العالم ولاسيما البلاد الإسلامية على غرار الكليات التى تنشئها الجامعات العالمية الأخرى فى كثير من بقاع العالم، لكى تقوم تلك الفروع بتأدية رسالة الأزهرفى العالم كله.

ثانيا: وضع استراتيجية متكاملة تأخذ فى الاعتبار الأسباب التى أدت إلى تردى الأوضاع إلى الحالة التى نحن فيها، وكيفية استعادة الوحدة الفكرية والعقائدية داخل الأمة، وكيفية التصدى للافتراءات والأكاذيب والأضاليل التى تلصق بالإسلام والمسلمين ظلما وزورا .

ثالثا: تخصيص موقع على الإنترنت يكون وسيلة للتواصل بين خريجى الجامعة، ووسيلة لتبادل الأفكار، ويغذى دائما بكل جديد فى مجال العلوم الأزهرية، ويمكن تدارس الآراء حول القضايا المعاصرة للوصول إلى تقارب فكرى نحن فى أمس الحاجة إليه.

وهذاهو واجبنا، وهذا هو واجب علماء الأزهر وخريجية من مختلف أقطار العالم. وإذا استطعنا أن نضع هذه الاسترايتجية المتكاملة، مسترشدين بالأسس العلمية الحديثة، وأساليب الدعوة العصرية فى إيصال الأفكار والفلسفات إلى الفئات ذات التأثير فى توجيه الجماهير، وإلى وسائل الإعلام والكتاب والمفكرين، وإلى الجماهير أنفسها، فلا شك من أننا سوف ننجح فى إظهار الإسلام فى صورته الحقيقية كدين مبنى على التسامح والأخوة الإنسانية، والتضامن من أجل سعادة البشرية ورفاهيتها وتقدمها فى كل المجالات.

" كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ، وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ؛ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم؛ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ " (آل عمران: 110)

والسـلام عليكم ورحمة اللـه وبركاته